ذات يوم في مجلسه مع مرازبته وعظماء قومه إذ نظر إلى كف بدت من الحائط بلا معصم، وكتبت ثلاثة (١٨٧ و) أحرف (١) بالعبرانية، ثمّ غابت، فاضطره الخوف إلى دعاء دانيال عليه السّلام وألطف له (٢) القول، وأراه تلك الكتابة، واستفسره، فقرأها عليه دانيال: بسم الله العلي الأعظم عزّ هذا الملك فذلّ، ووزن فخفّ، وجمع فتفرّق، وابتلاه الله بعد هذا بملك اليمن ياسر بن ينعم، قصده من صنعاء اليمن حتى نزل في تخوم أرضه، ثم استولى عليها، وكان على دين سليمان عليه السّلام وأنّه غزا ديار بخت نصر منتقما لبني إسرائيل.
قال الزهريّ (٣): ثم ابتلاه الله ببعوضة كبعوضة نمرود، وكانت سبب موته، وكان ملكه خمسين سنة، وملك من بعده أخوه بشتاسب، ثمّ بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب، وهو الذي ردّ بني إسرائيل إلى أوطانهم، والسبب في ذلك: أنّه تزوج من سالمال بن رحبعم بن سليمان عليه السّلام وكانت تسمى ابراخت، فلما تزوج بها ملّك أخاها روبابيل بن سالمال بن رحبعم، وسيّره إلى أرض الشام.
ثم ذكر الشعبي: أنّ الموعود الثاني ملك من ملوك الأهواز (٤) كان يسمى بخت نصر أيضا، سلّطه الله بعد قتل يحيى بن زكريا عليه السّلام وكان من نسل بخت نصر الأول، قال: وكان بين المرتين خمس مئة عام.
وذكر محمد بن جرير الطبري: أن بخت نصر كان قائدا من قواد سنحاريب الملك، ملك بابل، وكان قد غزا بيت المقدس مع سنحاريب الملك في عهد حزقيا بن أحار، وهو ملك من ملوك بني إسرائيل، وكان بعد رحبعم بن سليمان بزمان طويل، ورجع خائبا خاسرا، فلما هلك سنحاريب تحول بخت نصر إلى لهراسف الملك، وهو ببلخ حينئذ، فذكر له حديث الشام، وطلب منه أن يوجهه إلى تلك النواحي، وضمن له أن يفتتحها له، فأجابه لهراسف إلى ذلك، وأمده بالأموال والرجال، فكان من أمر بخت نصر ما كان، ورجع إلى بابل، فاتخذها دار مملكته في طاعة لهراسف، ولم يكن هو (٥) للهراسف، ثم إنّ لهراسف هلك، وخلفه ابنه لشتاسف، ورفع إليه حديث الشام، وما كان من فساد بخت نصر في تلك النواحي، فاستقبح ذلك، فكتب إليه يأمره بالرجوع إلى بابل (٦) وصرفه بكورش، وهو قائد من قوّاده. فلمّا انتهى كورش إلى بابل
_________
(١) ك زيادة: هذا حكم بالكفر، وأنكر عليه خراب الدنيا، والتحرك إلى العقبى، ويحتمل: أنه لم يحكم به، ولكن استفهم، واستعلمه أهو كافر؟ حيث ينكر البعث والنشور، ولا يعترف بأن النعمة من الله إن شاء إلى.
(٢) ع: به.
(٣) أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، تابعي، توفي سنة ١٢٤ هـ‍. ينظر: نسب قريش ٢٧٤، والمعارف ٤٧٢، وطبقات الفقهاء ٤٧.
(٤) ع: الأهوا.
(٥) ساقطة من ك.
(٦) الأصول المخطوطة: بابه.


الصفحة التالية
Icon