ذلك، وقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم.
قال: فحاصوا حيصة حمر (١) الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلّقت، فقال هرقل: عليّ بهم، فرجعوا إليه، فألان لهم القول، وألطف لهم، وقال: إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت الذي أحببت، فسجدوا له، ورضوا عنه. (٢) قيل: لّما بلغ رسول الله خبره قال: ضنّ الخبيث بملكه. (٣) وأمّا كسرى فذكر الخرداد بهمن وغيره: أنّه لّما بلغه الكتاب أمر بأن (٤) يفتح، ويقرأ عليه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله واليوم الآخر، وشهد (٥) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، أدعوك إلى الله، فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة، لأنذر من كان حيّا، ويحقّ القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس، والسّلام. فلمّا قرئ عليه الكتاب ورم أنفه، وامتلأ غيظا، فأطرق على سريره محتنقا بحنقه، منتفخة أوداجه، يدير حدقتيه في حماليقه ساعة طويلة، ثم رفع رأسه، وقال: ليس هذا بأوّل عبد اجترأ على ربّه وسيّده، وإنّما قال: هذه المقالة لاستيلائه على اليمن دار مملكة العرب، ولسجود النّعمان بن المنذر ملك الحيرة بين يديه ولاعتقاده أنّه ملك الملوك والأقاليم كلّها، وأنّه خذايكان (٦) الأرض، فاغترّ بسلطانه وعلوّه، وأصرّ على طغيانه، وأمر كاتبه بأن يكتب إلى مرزبان اليمن، والمرزبان بلغتهم: الوالي، واسمه باذان مهريبداد، أنّ عبدا لي بالحجاز اسمه محمد كتب إليّ يأمرني أن أترك ديني، وأتّبع دينه، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إليه رجلين جلدين ممّن معك ليأتيا به مربوطا مشدودا، فإن أبى فليأتيا في رأسه، وأمر أن يكتب إلى رسول الله: أن اشخص إلينا لننظر في أمرك، فرجع حذافة [إلى] (٧) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره بالقصة، وذكر أنّه أمر بالكتاب، وكان من أديم، أن يمزّق، ويرقع به دلو البئر، فقال عليه السّلام: إنّما مزّق ملكه، ثمّ إنّ باذان لّما بلغه كتاب صاحبه بعث إلى النبيّ عليه السّلام (٢١٧ ظ) أشخاصين من قوّاده، وكانا رجلين عاقلين، اسم أحدهما بابويه، واسم الآخر خورخسرة، وأمرهما أن يحذرا سطوة ملك الملوك لئلا يشتغل بالممانعة، فأتيا رسول الله، وأدّيا الرسالة، فأمر عليهم بإنزال الرسولين، وأكرمهما، ثمّ دعاهما
_________
(١) الأصل وك وأ: الحمر.
(٢) ينظر: صحيح مسلم (١٧٧٣)، وصحيح ابن حبان (٦٥٥٥).
(٣) ينظر: الطبقات الكبرى ١/ ٢٥٨، ونصب الراية لأحاديث الهداية ٦/ ٥٦٤.
(٤) ك: أن.
(٥) أ: وأشهد.
(٦) هكذا في الأصول المخطوطة، ولعلها: أخذ أركان الأرض.
(٧) زيادة يقتضيها السياق.


الصفحة التالية
Icon