والسادس: نسخ التلاوة مع بقاء المعنى؛ لأنّ التلاوة وحدها تتفرّد بحكم غير حكم المعنى، وهو ترك مسّه محدثّا، وإقامة التحريم بها، فلم يقف نسخها على نسخه. وهذا النوع يأباه الزجّاج في ما روي عنه.
ثم يقول: «وخلق النسيان جائز في الأنواع الاثني عشر كلبها، وهو مثل النسخ وليس بنسخ». وهذا القول هو ما يذكره غيره بالنوع الآخر من أنواع النسخ وهو النسخ إلى غير بدل، من مثل ما جاء في الحديث: بأن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة طولا، فنسخ الله منها ما شاء بغير عوض، وذهب حفظه من القلوب. (١)
وأنواع النسخ عنده هي:
١ - نسخ القرآن بالقرآن: والمثال عليه، ما جاء في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ﴾ [آل عمران: ٨٥]، يقول: «وهي ناسخة لقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا﴾ [البقرة: ٦٢]، في رواية علي بن طلحة عن ابن عباس، ويصح الجمع بينهما على ما سبق». (٢)
٢ - نسخ السنة بالسنة.
٣ - نسخ القرآن بالسنة. ويقول في موضع آخر مؤكدا على هذا المعنى بقوله: «وليس يطيع الرسول من ينكر نسخ القرآن بالسنة، وإنما كانت طاعته طاعة الله تعالى؛ لأنه عليه السّلام لم ينطق عن الهوى». ويؤكد على هذا القول في معرض قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [النور: ٦٣]، فيقول: «دليل على وجوب الأمر، على جواز نسخ الكتاب بالسنة» (٣).
لكنه لم يحدد هل هذا النسخ يكون بالسنة المتواترة أو المشهورة أو الآحاد؟
٤ - نسخ السنة بالقرآن.
وأن هذا كله جائز، ولا يختلف الحكم فيه، والسبب في هذا القول هو: أن الكلّ من عند الله، والرسول أمين ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى﴾ (٣) [النجم: ٣].
ويذكر بعض المذاهب في النسخ أو أنواعا من النسخ على الشكل الآتي:
أولا-اليهود والإمامية: فهم لا يقولون بنسخ الشريعة، وأنهم لا يفرقون بين النسخ والبداء.
وحجة اليهود في ذلك وهي قول موسى عليه السّلام: من جاءكم بخلاف ما أتيتكم به، فلا تقبلوه. فأجاب عن قولهم هذا بما يأتي: «أما قول موسى عليه السّلام، فمعناه من جاءكم مكذبا بي مخطّئا إياي فلا تصدقوه، ولم يرد به من يبتني على المعلوم الأوّل إذ هذا لا يكون مخالفا، ألا ترى أنّك إذا تيقّنت الخبر ثمّ جاء إنسان وقال: إنّ ما علمت لم يكن، فإنّك تكذّبه لا محالة، ولو أخبرك بزواله بعد كونه لم تكذّبه، ولكنّك طالبته بالبيّنة والبرهان».
_________
(١) ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ١/ ٥٨ - ٦٠، والناسخ والمنسوخ لابن حزم ١ - ٨.
(٢) الأصل (٦٩ و).
(٣) درج الدرر ٣٥٨.


الصفحة التالية
Icon