وإنما جرت (١) الأسماء من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعفت عن وصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها نحو قولك: (عجبت، ومررت، وذهبت) لو قلت: عجبت زيدًا، ومررت جعفرًا، وذهبت محمدًا، لم يجز كما بجوز ضربت زيدًا؛ لضعف هذِه الأفعال في العرف (٢) والعادة (٣) والاستعمال، فلما قصرت هذِه الأفعال عن الوصول إلى الأسماء رفدت بحرف الإضافة، فجعلت موصلة (٤) لها إليها، فقالوا: عجبت من زيد، ونظرت إلى محمد (٥)، فلما احتاجت هذِه الأفعال إلى هذِه الحروف لتوصلها إلى بعض الأسماء جعلت تلك الحروف جارة، وأعملت هي في الأسماء (٦). ولم يفض إلى الأسماء النصب الذي يأتي من الأفعال؛ لأنهم أرادوا أن يجعلوا بين الفعل الواصل بنفسه وبين الفعل الواصل بغيره فرقًا، ولما هجروا لفظ النصب لما ذكرنا، لم يبق إلى الرفع والجر. فأما الرفع فقد استولى عليه
(١) في (ج): (وإنما تدخل جرت).
(٢) في (ج): (القرن).
(٣) في (أ)، (ج): (في الاستعمال) وفي "سر صناعة الإعراب" (لضعف هذِه الأفعال في العرف والعاة والاستعمال عن إفضائها إلى هذِه الأسماء..) ١/ ١٢٤.
(٤) في (ج): (موصولة).
(٥) في "سر صناعة الإعراب": (نظرت إلى عمرو) ١/ ١٢٤.
(٦) هذا مذهب البصريين في سبب تسميتها حروف جر، أما الكوفيون فيسمونها حروف خفض، قالوا: لانخفاض الحنك الأسفل عند النطق به، انظر: "الإيضاح في علل النحو" ص ٩٣.