وشرح أبو بكر هذا القول فقال: قوله: ﴿لَا تُصِيبَنَّ﴾ نهي محض معناه: لايقصدن الظالمون هذه الفتنة فيهلكوا فلفظ النهي كأنه للفتنة، وهو للذين ظلموا، ومثله قوله: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾ [النمل: ١٨] أمرتهم بالدخول ثم نهتهم أن يحطمهم سليمان فقالت: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾ فلفظ النهي لسليمان ومعناه للنمل، كما تقول: لا أرينك هاهنا، فلفظ النهي لنفسك ومعناه: لا تكونن هاهنا فإني أراك (١).
قال صاحب النظم: تأويل هذا: واتقوا فتنة تصيب الذين ظلموا منكم خاصة (٢)، يريد أن في نهيه بقوله: ﴿لَا تُصِيبَنَّ﴾ [إخبارًا أن تلك الفتنة مصيبة (٣) للذين ظلموا، كما تقول: اتق بلية لا تصيبن] (٤) المتعرض لها، يفهم من هذا أنك أمرت باتقاء فتنة تصيب من تعرّض لها، فقوله: ﴿لَا تُصِيبَنَّ﴾ نهي في موضع وصف النكرة، وتأويله الإخبار بإصابتها الذين ظلموا، يؤكد هذا ما روي في حرف عبد الله: واتقوا فتنة أن تصيب الذين

(١) انظر: قول ابن الأنباري مختصرًا في "زاد المسير" ٣/ ٣٤٢.
(٢) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٧/ ٣٩٣ وهذا القول مرجوح، والأول هو الراجح لأمرين:
أولاً: موافقته للظاهر المتبادر من الآية.
ثانيًا: أنه مؤيد بقول النبي - ﷺ - لما سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". رواه البخاري (٧٢٩٢) كتاب الفتن، باب: قول النبي: "ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب". ومسلم (٢٨٨٠١)، كتاب الفتن، باب: اقتراب الفتن.
وروى الترمذي في "سننه" (٢١٦٨) كتاب الفتن، باب: ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر، عن رسول الله - ﷺ - قال: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
(٣) ساقط من (ح).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (س)


الصفحة التالية
Icon