وقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾، قال مرة: يلحق بعضهم ببعض فيجعلهم في جهنم (١). وقوله تعالى: ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾، قال الليث: الركم: جمعك شيئًا فوق شيء حتى تجعله ركامًا مركومًا كركام الرمل والسحاب ونحو ذلك من الشيء المرتكم بعضه على بعض (٢).
قال المفسرون: ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ أي: يجمعه حتى يصير كالسحاب المركوم فيجعله في جهنم (٣).
ووحد الخبر (٤) لتوحيد قوله: ﴿الْخَبِيثَ﴾.
وروى عطاء عن ابن عباس للآية معنى آخر على هذا الطريق وهو أنه قال في قوله: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ يريد أنه أخر أجل هذه الأمة إلى يوم القيامة، وكل أمة قبل أمة محمد إذا كذبوا نبيهم لم يؤخروا وعذبوا، فجعل الله ميقات هذه الأمة إلى يوم القيامة فقال: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ قال: يريد المؤمن والكافر، يريد أن في أصلاب الكفار مؤمنين، وكذلك يميزون يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)﴾ [يس: ٥٩]، ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ يريد في جهنم يضيقها عليهم، ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ مثل ما يدرج الثوب، يريد: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ (٥) مثل قوله: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة: ٣٢] كلما يسلك الخرز (٦) في الخيط، يريد يدخل من دبره ويخرج من حلقه

(١) لم أقف عليه.
(٢) في "تهذيب اللغة" (ركم) ٢/ ١٤٦٣، والنص في كتاب "العين" (ركم) ٥/ ٣٦٩
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ٦/ ٦٠ ب، والبغوي ٤/ ٣٥٦، وبنحوه في" تفسير ابن جرير" ٩/ ٢٤٦ - ٢٤٧.
(٤) ساقط من (م).
(٥) الرحمن: ٤١، ونصها: فيؤخذ.
(٦) في (ح): (الخرزة).


الصفحة التالية
Icon