قال أهل العلم: أمر الله تعالى بالقتال إلى أن يعم الإسلام الدنيا كلها ولا يبقى على وجه الأرض كافر، فتكليف القتال ممدود إلى هذا الميعاد (١)، لقوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣].

(١) انظر: "الأم" ٤/ ٢٤١، و"أحكام القرآن" للشافعي ص ٤٦، و"تفسير أبي الليث السمرقندي" ٢/ ١٨، وهو قول فيه نظر لدلالة الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، فجعل تكليف القتال ممدودًا حتى إعطاء الجزية لا الإسلام، وأما السنة فأحاديث أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، ومنها: ما رواه مسلم في"صحيحه" (١٧٣١) كتاب الجهاد والسير، باب: تأمير الإمام الأمراء ضمن وصية رسول الله - ﷺ - لأمراء الجيوش والسرايا، وفيها: ".. ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم.... فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم"، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.. " الحديث: فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك قتال مؤدي الجزية والمعاهد؟
فالجواب من وجوه:
أحدها: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية وإلغاء المعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث.
ثانيها: أن يكون من العام الذي خص منه البعض.
ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله: "أقاتل الناس" أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: "أمرت أن أقاتل المشركين".
رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها: التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتال، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة
خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها.
سادسها: أن يقال: الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام؛ وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا ما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن. "فتح الباري" ١/ ٧٧ باختصار وبمثل هذا توجه الآية، والله أعلم.


الصفحة التالية