وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا﴾ أي: لو أراك الله يا محمد القوم كثيرا في اليقظة -على قول الحسن-، أو في المنام -على قول الباقين- فأخبرت بذلك أصحابك لجبنوا ولم يقدموا على الحرب؛ وذلك قوله: ﴿لَفَشِلْتُمْ﴾، قال أبو إسحاق: لتأخرتم عن حربهم وكِعْتم (١) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ معنى التنازع في الأمر: الاختلاف الذي يحاول به كل واحد نزع صاحبه عما هو عليه، وهذا ما سبق بيانه (٣)، يقول: لاضطرب أمركم، واختلفت كلمتكم، قال الكلبي: واختلفتم فيما بينكم (٤).
وقال ابن عباس: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ يا محمد ﴿فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا﴾ لتحتقرهم وتجترئ عليهم ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ﴾ ولكن هذه منتي عليك وعلى المؤمنين حيث أراكهم الله قليلًا، ولم يكن منهم

١ - أن في الآية تصريح بالمنام، وحمله على العين التي بها المنام عدول عن الظاهر بلا دليل، انظر: "تفسير ابن كثير" ٢/ ٣٤٨.
٢ - أنه تعالى صرح في الآية التالية برؤية العين فقال: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾ فعلى هذا القول تكون الآيتان بمعنى واحد، إذ أن النبي - ﷺ - مخاطب في هذه الآية، والأصل عدم التكرار.
٣ - أنه مخالف لما رواه مجاهد أن النبي - ﷺ - رآهم في منامه قليلاً فأخبر النبي - ﷺ - بذلك. رواه ابن جرير ١٠/ ١٢، وهذا الحديث وإن كان مرسلًا لكن يعضده موافقته لظاهر الآية، وعلى الأقل هو تفسير ثابت عن مجاهد.
(١) أي جبنتم، يقال: كعت عن الشيء أكيع وأكاع لغة في كععت: إذا هبته وجبنت عنه. انظر: "لسان العرب" (كوع) ٧/ ٣٩٥٦.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٣١٩.
(٣) انظر: تفسير آل عمران: ١٥٢، النساء: ٥٩.
(٤) "تنوير المقباس" ص ١٨٢، عن الكلبي، عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon