قدرة الله ونصره رسوله (١)، وهذا الذي ذكره ابن عباس إشارة إلى أن العذاب الذي وقع بهم وقيل لهم: (ذوقوا) استحقوه بكفرهم، وجعل ذلك جزاءً على ما سلف من إجرامهم.
والصحيح أن قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ ابتداء كلام لا يعود معناه إلى ما قبله من قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ﴾ لأن قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ ليس (٢) بتعليل للعذاب ولا موجب له؛ لأن معناه: نفي الظلم، وإيجاب الحكم بالعدل، لا أنه سبب تعذيبهم فقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ سبب أوجب الحكم بالتعذيب، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ نعت لهذا الحكم أنه عدل، وأنه ليس بجور، وإذا كان كذلك لم يحسن أن يقدر في (أن) الباء (٣)، فيقال: المعنى: وبأن الله، والوجه أن تكون (أن) في موضع رفع، ولهذا قال الكسائي: لو كسرت ألف (أن) على الابتداء كان صوابًا (٤).
فإن قيل: في هذه الآية الله تعالى نفى الظلم عن نفسه، ومن نسب إليه خلق الأفعال ثم استجاز منه العقبة على الذنوب فقد نسب الظلم إليه (٥).
(٢) في (س): (ليس بظلام أي: بتعليل.. إلخ)، وهو خطأ.
(٣) ذهب إلى تقديرها الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٤١٣، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦٨١، والزمخشري ١/ ١٦٣، وصرح بأن الباء سببية. وكذلك السمين الحلبي في "الدر المصون" ٥/ ٦١٩.
(٤) يعني من الناحية اللغوية، ولا تجوز القراءة بذلك لعدم ثبوتها، وقد ذكر في قول الكسائي هذا الفخر الرازي في "تفسيره" ١٥/ ١٧٩.
(٥) هذا قول المعتزلة، انظر: "تفسير الرازي" ١٥/ ١٧٩، و"الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار ص ٣٤٥.