وقال غيره: هذا سؤال تأنيب كقولك للإنسان: لم فعلت هذا القبيح (١)؟ وكذلك قيل لهم: لم طعنتم في الدين بالباطل والزور؟ فأجابوا بما لا عذر فيه، بل هو وبال على المجيب، وهو قولهم: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ وأصل الخوض الدخول في مائع، مثل الماء والطين، ثم كثر حتى صار في كل دخول فيه تلويث وأذى، فمعنى ﴿نَخُوضُ﴾: أي: في الباطل من الكلام كما يخوض الركب يقطعون به الطريق، ﴿وَنَلْعَبُ﴾، فأجابهم الرسول - ﷺ - ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: حدوده وفرائضه ﴿كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾.
وذكر الكلبي ومقاتل بن سليمان وغيرهما في سبب نزول هذه الآية غير ما ذكرنا أولاً، وهو أنهم قالوا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعًا من غزوة تبوك في مسيره، وثلاثة نفر (٢) يسيرون بين يديه، فجعل رجلان منهم يستهزآن بالقرآن ورسول [الله - ﷺ -] (٣) والثالث يضحك، فنزل جبريل وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين: "أتدرون ما يتحدث به هؤلاء النفر الثلاثة (٤)؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنهم يستهزؤن بالله ورسوله وبالقرآن، نزل علي جبريل فأخبرني بذلك، ولئن أرسلت إليهم فسألتهم مم كانوا يضحكون؟ ليقولن: كنا نتحدث بحديث الركب ونضحك"، ثم قال لعمار بن ياسر: "انطلق فاسألهم عما كانوا (٥) يضحكون
(٢) في "تفسير مقاتل": النفر الأربعة، وقد جاء في السيرة النبوية ٤/ ٢٠٩ تسمية اثنين منهما هما وديعة بن ثابت، ومخشي بن حمير.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٤) في (ح): (الثلاثة النفر).
(٥) من (م).