﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ إخبارًا منه عز وجل عما لا يكون لو يكون كيف يكون (١)، ومثل هذا قوله إخبارًا عن المنافقين: ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ (٢) [الحشر: ١١] فقال الله تعالى: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ (٣) [الحشر: ١٢] فأعلمنا أن ذلك لا يكون منهم، ثم قال: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ﴾ [الحشر: ١٢] فأعلم عز وجل عما لا يكون بأنه لو كان كيف يكون.
وسلك أبو إسحاق في معنى هذه الآية طريقة حسنة فقال: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ جواب كل ما يسألون عنه، ثم قال (٤): ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا﴾ أي لو بين لهم كل ما يختلج (٥) في نفوسهم ﴿لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ لمعاندتهم (٦).
واختاره ابن الأنباري وشرحه فقال: ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه مما يقترحون ويطالبون (٧) من المعجزات، ولو
(٢) حذف الجرجاني أو المؤلف بعض الآية ونصه: ﴿وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا﴾ وقد فعل ذلك الرازي أيضًا في "تفسيره" ١٥/ ١٥٠ وهو كثير النقل من تفسير الواحدي "البسيط".
(٣) في جميع النسخ: (ولئن). وهو خطأ.
(٤) في "معاني القرآن وإعرابه": ثم قال جل وعز. وفي (م): (وقوله).
(٥) في المصدر السابق: يعتلج. اهـ، والكلمتان متقاربتان في المعنى، ففي "لسان العرب" (خلج) ٣/ ١٢٢٣: اختلج الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك، وأصل الاختلاج: الحركة والاضطراب. وفي المصدر نفسه (علج) ٥/ ٣٠٦٥: اعتلج القوم: اتخذوا صراعًا وقتالاً، واعتلج الموت: التطم، وهو منه، وأعتلج الهمّ في صدره، كذلك على المثل.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٢/ ٤٠٩.
(٧) ساقط من (ح).