والمعنى: كأنه ابتدأ فقال: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾.
وقال أبو عبيدة: الله أعلم بما أراد بهذه الحروف (١) (٢).
وقرأ القراء الراءَ بالإمالة في ﴿الر﴾ وتركها (٣)، فمن ترك الإمالة فلأن كثيراً من العرب لا تميل ما يجوز فيه الإمالة عند غيرهم، والأصل ترك الإمالة في هذه الحروف، نحو: (ما)، و (ولا)؛ لأن ألفاتها لا تكون منقلبة عن الياء، وأما من أمال فلأن هذه الحروف أسماء لما (٤) يلفظ به من

(١) في "مجاز القرآن" ١/ ٢٧: (الم) افتتاح، مبتدأ كلام، شعار للسورة، ولم أجد من ذكره بلفظ المؤلف.
(٢) ذهب كثير من المحققين إلى أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل بعض السور بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد قرر هذا القول الزمخشري في "كشافه" ١/ ٩٥ - ٩٨، ونسبه الرازي في "تفسيره" ١/ ٦ إلى المبرد والمحققين، وحكاه القرطبي في "تفسيره" ١/ ١٥٥، عن الفراء وقطرب، وذهب إليه ابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ المزي، انظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٣٨.
والذي أختاره هو الرأي القائل بان هذه الحروف مما استأثر الله بعلمه فلا يصل أحد إلى معرفة المراد منها حيث لم يصح عن الرسول - ﷺ - بيان المراد منها، ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وليس مع أحد المختلفين حجة قاطعة، فالوقف في مثل هذه الحالة أسلم حتى يتبين الحق في هذا المقام. أما وصف القرآن بأنه هدى وتبيان فلا يبطله أن تجيء في أوائل بعض سوره مثل هذه الحروف؛ إذ لا تعلق لها بتكليف ولا خبر، وقد يكون ورودها تنبيهًا على القدرة التامة في جانب الرب، والقصور في جانب العبد، كأسرار الله في الكون والتكاليف. والله أعلم.
(٣) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وقالون ويعقوب وحفص بالفتح، وقرأ ورش بين اللفظين، وقرأ الباقون بالإمالة. انظر: "التيسير في القراءات السبع" ص١٢٠، "تحبير التيسير" ص١٢١، "إتحاف فضلاء البشر" ص ٢٤٦.
(٤) في (ح): (لا)، وهو خطأ.


الصفحة التالية
Icon