وأما عند أهل البصرة (١) فقال أبو عثمان (٢): الباء في قوله (بمثلها) زائدة، وتقديره عنده: جزاء سيئة مثلها، واستدل على هذا بقوله في موضع آخر: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠].
قال أبو الفتح الموصلي (٣): وهذا مذهب حسن، واستدلال صحيح؛ إلا أن الآية تحتمل مع صحة هذا القول تأويلين آخرين، أحدهما: أن تكون الباء مع ما بعدها هو الخبر، فكأنه قال: وجزاء سيئة كائن بمثلها، كما تقول: إنما (٤) أنا بك، أي كائن موجود بك.
والثاني: أن تكون الباء في (بمثلها) متعلقة بنفس الجزاء، ويكون الجزاء مرتفعًا (٥) بالابتداء، وخبره محذوف كأنه قال: وجزاء سيئة بمثلها كائن أو واقع، وحذف الخبر حسن متجه، قد حذف في عدة مواضع.
هذان القولان حكاهما أبو الفتح (٦)، وذكرهما أبو علي في "المسائل الحلبية" (٧) في قوله -عز وجل-: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]، وعلى هذه الأقوال في الباء، الجزاء مرتفع بالابتداء، والجملة -التي هي ابتداء وخبر- فيها خبر الابتداء الأول وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ﴾
(٢) هو المازني.
(٣) هو ابن جني.
(٤) ساقط من (ى).
(٥) في (ح) و (ى) و (ز) و (ص): (مرتفَعُهُ)، وما أثبته من (م)، وهو موافق لما في "سر صناعة الإعراب".
(٦) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣٨ - ١٤٠ باختصار.
(٧) لم أجد ذلك في الكتاب المطبوع، ومخطوطته ناقصة كما أشار المحقق في المقدمة.