وقوله تعالي: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، قال ابن عباس: يقول جعلت الليل راحة لكم لتسكنوا فيه مع أزواجكم وأولادكم (١).
وقال أهل المعاني: جعل الليل ليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وجعل النهار مبصرًا: أي: مضيئًا لتهتدوا به في حوائجكم بالإبصار، والمبصر الذي يبصر، والنهار يبصر فيه وإنما جعله مبصرًا على طريق استعارة صفة الشيء لسببه للمبالغة (٢)، كما قال جرير:

لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى (٣) ونمت وما ليل المطي بنائم (٤)
وقال رؤبة:
فنام ليلي وتجلى همي (٥)
ومثله قوله: ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨]، وذكرنا الكلام هناك بأبسط من هذا (٦).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ يريد: يسمعون
(١) "تنوير المقباس" ص ٢١٦ بمعناه مختصرًا.
(٢) لم أقف عليه عند أهل المعاني، وقد ذكره من غير نسبة الرازي في "تفسيره" ١٧/ ١٣١.
(٣) في (خ) و (ز): (بالسرى).
(٤) "ديوان جرير" ص ٩٩٣، "خزانة الأدب" ١/ ٤٦٥، "كتاب سيبويه" ١/ ١٦٠.
(٥) البيت في "ديوان رؤبة" ص ١٤٢، وفيه: وتقضى همي.
(٦) قال في هذا الموضع: قال الفراء: جعل العصوف تابعًا لليوم في إغوائه، وإنما العصوف للرياح، وذلك جائز على وجهين، أحدهما: أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم قد يوصف به؛ لأن الريح تكون فيه، وقال أبو عبيدة: العرب تفعل ذلك في الظرف، قال الفراء: الوجه الآخر: أن يريد: في يوم عاصف الريح، فيحذف الريح؛ لأنها قد ذكرت في أول الكلام.


الصفحة التالية
Icon