وقوله تعالى ﴿كِتَابٌ﴾، قال الفراء (١): رفعت بالهجاء الذي قبله. قال الزجاج (٢): وهذا غلط (٣)؛ لأنه جعل كتاب خبر ﴿الر﴾ و ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ ليس هو ﴿الر﴾ وحدها، قال الفراء: وإن شئت أضمرت له ما يرفعه، كأنك قلت: هذا كتاب، ووافقه الزجاج على هذا القول.
وقول تعالى: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾، ذكرنا أن معنى الإحكام في اللغة منع الفعل من الفساد (٤)، قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أحكمت آياته: أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها، وقال قتادة (٥) ومقاتل (٦): أحكمت آياته من الباطل.
قال ابن الأنباري (٧): فعلى قول الكلبي: المعنى أحكمت بعض آياته بأن جعل ناسخا غير منسوخ، وما نسخ من القرآن لا يدخل في هذا الإحكام، وأوقعت الآيات على بعضها على مذهب العرب في إيقاع اسم

(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣.
(٢) "معاني القرآن إعرابه" للزجاج ٣/ ٣٧.
(٣) وتعقب هذا القول أيضًا الطبري ١١/ ١٧٩ فقال: "فأما قول من زعم أن قوله ﴿الر﴾ مراد به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالة على جميعها، وأن معنى الكلام: "هذه الحروف كتاب أحكمت آياته" فإن الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعًا بقوله: ﴿الر﴾ اهـ.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٦ (حكم)، "مقاييس اللغة" ٢/ ٩١، "لسان العرب" ٢/ ٩٥٢ (حكم).
(٥) الطبري ١١/ ١٨٠، وعبد الرزاق ٢/ ٣٠١، وابن أبي حاتم ٦/ ١٩٩٥، وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٣/ ٥٧٨، و"زاد المسير" ٤/ ٧٣، والبغوي ٤/ ١٥٩.
(٦) تفسير مقاتل ١٤٣ ب، الثعلبي ٧/ ٣٢ ب، "زاد المسير" ٤/ ٧٣.
(٧) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٧٤.


الصفحة التالية
Icon