أحدهما: أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لشدة عداوتهم لرسول الله - ﷺ -[وبعدهم عن الحق إذا سمعوا رسول الله - ﷺ -]، (١) يقرأ القرآن حنوا صدورهم، ونكسوا رؤوسهم، وتغشوا ثيابهم ليبعد عنهم صوت رسول الله - ﷺ - ولا يدخل أسماعهم شيء من القرآن (٢)، فنعى الله عليهم هذا القبيح من فعلهم، وأعلم أنه يعرف معتقداتهم، ولا يخفى عليه مخبآتهم، ومن كان علمه بهم هذا العلم كان حقيقًا أن تتقى سطواته، وهذا معنى قول مقاتل (٣) وقتادة: كانوا ينكسون رؤوسهم على صدورهم كراهية لاستماع القرآن.
وقال قتادة (٤): يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله -عز وجل- ولا ذكره.
قال ابن الأنباري: فالهاء في هذا القول عائدة على رسول الله - ﷺ -، وعلى القول الأول احتمل أمرين.
القول الثاني -وهو قول عبد الله بن شداد (٥) - قال: نزلت في بعض المنافقين، كان إذا مرَّ برسول الله - ﷺ - ثنى صدره وظهره، وطأطأ رأسه، وغطى وجهه لئلا يراه النبي - ﷺ - (٦)، وهذا القول هو الأليق بظاهر اللفظ،

(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).
(٢) من كلام ابن الأنباري. انظر: "زاد المسير" ٤/ ٧٧، "البحر" ٥/ ٢٠٣.
(٣) "تفسير مقاتل" ١٤٣ ب.
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٧٧، والطبري ١٥/ ٢٣٥، وابن المنذر وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٠٠، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٣/ ٥٨٠.
(٥) هو: عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي أبو الوليد المدني، ولد على عهد النبي - ﷺ -، وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات، وكان معدودًا في الفقهاء، قتل سنة ٨١، وقيل ٨٣ هـ. انظر: "التقريب" ص ٣٠٧ (٣٣٨٢)، "الكاشف" ١/ ٥٦١.
(٦) الطبري ١١/ ١٨٣، وسعيد بن منصور وابن المنذر وأبي حاتم ٦/ ١٩٩٩، =


الصفحة التالية
Icon