وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ وما اتصل به إلى قوله: ﴿إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ يقتضي جوابًا بحرف التشبيه وضد معناه، كما قال في موضع آخر: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ [السجدة: ١٨] وهاهنا ترك الجواب.
قال أبو إسحاق (١): والتقدير أفمن هذه حاله كان هو وغيره ممن ليس على (٢) بينة سواء، فترك ذكر المضاد له؛ لأن فيما بعده دليلًا عليه وهو قوله: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ﴾ [هود: ٢٤] الآية، ونحو هذا قال الفراء (٣) فقال: ربما تركت العرب (٤) جواب الشيء المعروف معناه، كما قال الشاعر (٥):

فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعًا
ومثل هذا من التنزيل قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٩] الآية. ولم يؤت له بجواب، اكتفاء بما بعده من قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ فالقانتون آناء الليل والنهار الذين يعلمون،
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٤٣ بنحوه.
(٢) ساقط من (ب).
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٦.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) هو امرؤ القيس يريد: لو شيء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله: "ولكن لم نجد لك مدفعًا". وفي الديوان ٢٤٢ (أجدك لو شيء..).
"الخزانة" ٤/ ٢٢٧، الطبري ١٢/ ١٨، "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٨٤٥ (وحد)، "معاني القرآن" ٢/ ٧، "شرح المفصل" ٩/ ٧، ٩٤، كتاب "الصناعتين" / ١٨٢، "اللسان" (وحد) ٨/ ٤٧٨٣.


الصفحة التالية
Icon