من العطب والهلكة، وقال بعض أهل المعاني (١): وذكر الرحمة هاهنا نقضًا عليهم فيما ادّعوه من أنه ليس عليهم (٢) فضل، فبين ذلك بالنبوة والهداية إلى الحق من جهة البرهان المؤدي إلى العلم.
وقوله تعالى: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾، ذكر ابن الأنباري (٣)، وأبو علي (٤) وغيرهما، فيه وجهين:
أحدهما: أن معناه: فخفيت عليكم؛ لأن الله عز وجل سلبكم علمها ومنعكم معرفتها لعنادكم الحق، وأنشد أبو علي قول رؤبة (٥):

ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى في الحائرين العمه
أي خفي الهدى. ألا ترى أن الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة، قال: ومن هذا قيل للسحاب العما؛ لإخفائه ما يخفيه كما قيل له الغمام.
الوجه الثاني: أن يكون عموا هم عنها، ألا ترى أن الرحمة لا تعمى وإنما يُعمى عنها، فيكون هذا كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي، ونحو
= الصحاح ٦٨٥. ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ سبأ: ٥٢.
(١) "زاد المسير" ٤/ ٩٧.
(٢) في (ب): تكرار (فيما ادعوه من أنه ليس عليهم). وقوله: (ليس عليهم فضل) كذا في جميع النسخ ولعل فيه سقط هنا (له) فيكون: ليس له عليهم فضل.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٩٧.
(٤) "الحجة" ٤/ ٣٢٢.
(٥) البيت لرؤبة بن العجاج، من أرجوزة يصف بها نفسه، برواية "الجاهلين" بدلاً من "الحائرين" في ديوانه، والرجل العمه: المتردد في رأيه أو أعمى القلب. انظر: ديوانه / ١٦٦، و"اللسان" ٥/ ٣١١٤، (عمه)، و"شرح شواهد الشافية" ٢٠٢، و"شرح شواهد العيني" ٣/ ٣٤٥.


الصفحة التالية
Icon