الله وما هو مطوي عن الخلق، وإنما وجب أن يكون هذا جوابًا من نوح عليه السلام لهم لما قالوا: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ﴾ الآية، فادَّعوا أن هؤلاء المؤمنين اتبعوه في ظاهر ما يرى منهم، وهم في الحقيقة غير متبعين له، فقال مجيبًا لهم: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ غيوب الله التي يعلم منها ما ينطوي عليه الناس ويضمرونه، ولا أعلم ما يغيب عني مما يسترونه في نفوسهم؛ فسبيلي قبول إيمانهم الذي يظهر لي، ومضمراتهم لا يعلمها إلا الله، فقيل للغيوب: خزائن لغموضها على الناس واستتارها عنهم، كما يقال: خزن المال: إذا غيبه.
[وقوله: ﴿وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾، هذا جواب لقولهم: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ أي: لا ينبغي أن تحتجوا عليّ بأمر لا أدعيه] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾، قال أبو إسحاق (٢): ﴿تَزْدَرِي﴾ تستقل وتستبخس (٣)، يقال: أزريت على (٤) الرجل: إذا عبت عليه وخسست فعله، وأصل تزدري: تزتري، إلا أن هذه التاء تبدل بعد الزاي دالاً؛ لأن التاء من حروف الهمس، وحروف الهمس خفية، والتاء بعد الزاي تخفى فأبدل منها الدال لجهرها، وكذلك (يفتعل) من الزينة والزيادة (٥).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨ بنحوه.
(٣) في (ب): (تستحسن)، وهو وهم من الناسخ.
(٤) في (ب): (في).
(٥) يعني: تزدان، وتزداد.