فحذف الموصوف وأقيمت الصفة التي هي "غير" مقامه.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا (١) تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾، قال أبو بكر: سأل نوح ربه من نجاته وانصراف الغرق عنه ما يسأله الوالد، وهو لا يعلم أن ذلك محظور عليه مع إصراره على الكفر، حتى أعلمه ذلك، وكأن المعنى: ما ليس لك علم بجواز مسألته.
وقال أبو علي (٢): قوله "به" يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه مقدم يراد به التأخير أي ما ليس لك علم به (٣) فيكون كقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: ٢٠]، و ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١]، و ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦]، وزعم أبو الحسن (٤) أن ما يكون من هذا القبيل يتعلق بمضمر، يفسره هذا الذي ظهر بعد، وإن كان لا يجوز تسلط هذا الظاهر عليه قال: ومثل ذلك قوله: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى﴾ [الفرقان: ٢٢] فانتصب ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ﴾ بما دلَّ عليه ﴿لَا بُشْرَى﴾، ولا يجوز لما بعد ﴿لَا﴾ هذه أن تتسلط على ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ﴾، وكذلك ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين، وكذلك "ما ليس لي به علم" يتعلق بما يدل عليه قوله علم الظاهر، وإن لم يجز أن يعمل فيه، قال أبو علي: ويجوز فيه وجه آخر،
(٢) "الحجة" ٤/ ٣٤٣.
(٣) في (ي): (به علم).
(٤) هو أبو الحسن الأخفش.