وقوله تعالى: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ عطف على قوله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ أيَ: قل هذه سبيلي، وقك سبحان الله تنزيهًا لله عما أشركوا، ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين اتخذوا مع الله ضدًا أو ندًا أو كفوًا أو ولدًا.
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ قال ابن عباس (١): يريد ليس فيهم امرأة ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ قال: يريد أهل المدائن؛ لأن الله تعالى لم يبعث نبيًا من بادية، وقال الحسن (٢): لم يبعث الله نبيًا من أهل البادية قط ولا من الجن ولا من النساء.
وقال المفسرون (٣): أهل الأمصار أحدّ فطنًا وأعلم وأشدّ تيقظًا، إذ سكن البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وقد قال النبي - ﷺ -: "من بدا جفا، ومن أَتبع الصيد غفل، ومن لزم أبواب الملوك افتتن" (٤) وفي هذا رد لإنكارهم نبوته، يقول: لم يبعث قبلك إلا رجالاً، فكيف تعجبوا من إرسالنا إياك، ومن قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك، ومن قبلهم من الأمم المكذبة كانوا على مثل حالهم، فأهلكناهم، فذلك قوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ هو يعني: المشركين المنكرين لنبوة محمد - ﷺ -، يقول: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾ إلى مصارع الأمم المكذبة فيعتبروا بهم.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٢٩٥، والقرطبي ٩/ ٢٧٤، وابن عطية ٨/ ٩٦.
(٣) الطبري ١٣/ ٨٠، وهو مروي عن قتادة، والثعلبي ٧/ ١١٦ ب، والبغوي ٤/ ٢٨٥، وابن عطية ٨/ ٩٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢١٠.
(٤) أخرجه أحمد في "المسند" ٢/ ٣٧١، ٢/ ٤٤٠، عن أبي هريرة، وفي ٤/ ٢٩٧ عن البراء، وصحح أحمد شاكر إسناده تحت رقم: (٨٨٢٣)، ١٧/ ٢٤، وانظر: "صحيح الجامع" (٦١٢٣)، (٦١٢٤).