٥ - قوله تعالى ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ قال ابن عباس (١): يريد من كذيبهم إياك بعد ما كنت عندهم الصادق الأمين، وقال جماعة من أهل التفسير (٢): وإن تعجب يا محمد من عبادتهم ما لا يملك لهم نفعًا ولا ضرًّا، بعد ما رأوا من قدرة الله في خلقه الأشياء التي ذكرها، فعجبٌ قولهم ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ قال أبو إسحاق (٣): أي هذا موضع عجب أنهم أنكروا البعث، وقد بيّن لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة مما قد تبينوا.
قال ابن عباس: يريد فعجب قولهم أن ضعفوا قدرتي بإنكار البعث، وتلخيصه: إن تعجب يا محمد من اتخاذهم الأوثان وتكذيبك بعد البيان، فتعجب من هذا أيضًا، فإنه موضع العجب، ومعنى قوله: ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُم﴾ أي عندك؛ لأن الله تعالى لا يعجب من شيء (٤).
قال أبو علي (٥): من قرأ (٦) بالاستفهام في "أإذا" و"أإنَّا" فموضع ﴿أَإِذَا﴾ نصب بفعل مضمر، يدل عليه قوله: ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، لأن
(٢) الطبري ١٣/ ١٠٣ - ١٠٤، الثعلبي ٧/ ١٢١ ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٠٤، القرطبي ٩/ ٢٨٤.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٨.
(٤) سبق التعليق على نفيه هذه الصفة في مبحث منهجه في العقيدة.
(٥) "الحجة" ٥/ ١١.
(٦) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أيذا كنا ترابًا أينا) جميعًا بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير بالياء ساكنة من غير مدة، وقرأ نافع (أيذا) مثل أبي عمرو، واختلث عنه في المد، وقرأ (إنَّا) مكسورة الألف على الخبر، ووافقه الكسائى اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني غير أنه كان يهمز همزتين، وقرأ عاصم وحمزة (أءذاكنا.. أعنا) بهمزتين فيهما جميعًا، وقرأ ابن عامر (إذ كنا) مكسورة الألف من غير استفهام، (آءنا) يهمز ثم يمد ثم يهمز، في وزن عَاعنَّا. انظر: "السبعة" ص ٣٥٧، و"إتحاف" ص ٢٦٩، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٤.