يريد صوّت بك الرعد، تصويتًا (١) عاليًا رفيعًا، ويدل على صحة هذه الطريقة قوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه﴾ فلو كان الرعد ملكًا لدخل في جملة الملائكة، ولم يفصل منهم، ومن قال بالقول الأوّل قال: إن الله تعالى أتى بالكل بعد البعض، كما قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧]، فعمَّ بعد أن خَصَّ. ومن المفسرين (٢) من يقول: عني بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد، جعل الله له أعوانًا، ومعنى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾ ويسبح الملائكة من خيفة الله وخشيته. قال ابن عباس (٣): إنهم خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم، لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره، ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء.
وقوله تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾، ذكرنا معنى الصواعق في البقرة [: ١٩].
قال المفسرون (٤): نزلت هذه الآية في أربد وعامر بن الطفيل، أتيا النبي - ﷺ - يخاصمانه، ويريدان الفتك به، فقال النبي - ﷺ -: "اللهم اكفينهما بما شئت"، فأرسل الله صاعقة على أربد في يوم صائف صاح، فأحرقته، وولى عامر هاربًا (٥)، وألْزل الله في ذلك: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ كما أصاب أربد.

(١) في نسخة (ج): (تصويت) (أ).
(٢) الثعلبي ٧/ ١٢٨ ب.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣١٤، القرطبي ٩/ ٢٩٥.
(٤) الطبري ١٣/ ١٢٦، والثعلبي ٧/ ١٢٥ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٤، والقرطبي ٩/ ٢٩٦، وابن كثير ٢/ ٥٥٥.
(٥) أخرجه الطبراني في "الكبير" ١٠/ ٣٧٩ (١٠٦٠)، وأبو نعيم في "الدلائل" ١/ ٦٦ من طريق عطاء بن يسار، عن ابن عباس، وضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٤١، وقال فيه عبد العزيز بن عمران.


الصفحة التالية
Icon