لايستجيبون للداعين، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ يعني الأصنام، يدعونها المشركون من دون الله، في قول جميع المفسرين (١)، وعبّر عنها كما يعبر عن المذكرين من العقلاء؛ لأنهم وصفوا أصنامهم بأوصاف الرجال العقلاء، فخاطبهم الله بما يعقلون وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ﴾ [الأعراف: ١٩٥].
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: يريد ليس لهم (٢) ثواب، يعني للداعين إياه، لا ثواب لهم عندها، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاه﴾ فُسِّر هذا على ثلاثة أوجه، قال مجاهد (٣): يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده؛ فلا يأتيه أبدًا، وهو اختيار أبي إسحاق (٤)؛ لأنه قال معناه: إلا كما يستجاب للذي يبسط كفيه إلى الماء، يدعو الماء إلى فيه، والماء لا يستجيب، فأعلم الله أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فيه.
﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ وما الماء ببالغ فاه، بدعوته إياه، والتقدير: إلا كاستجابة باسط كفيه، ويكون المصدر مضافًا إلى المفعول ثم حذف المضاف، الوجه الثاني من التفسير هو مذهب الكلبي (٥) وغيره، قال: كماد يده إلى الماء من مكان بعيد وهو مشرف على ذلك الماء فلا يبلغه، ولا يبلغ

(١) الطبري ١٣/ ١٢٨، والثعلبي ٧/ ١٢٩ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٧، وابن كثير ٢/ ٥٥٦، والقرطبي ٩/ ٣٠٠.
(٢) (لهم) ساقط من (أ)، (ج).
(٣) الطبري ١٣/ ١٢٩، والثعلبي ٧/ ١٢٩ ب، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٠١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٤.
(٥) "تنوير المقباس" ص ١٥٦.


الصفحة التالية
Icon