وقوله تعالى: ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ قال ابن عباس (١): يريد في دار الدنيا، قال النحويون (٢): الباء في (بما) تتعلق بمعنى سلام؛ لأنه قد دل علي السلامة لكم بما صبرتم. وقال صاحب النظم: السلام قول، ولا يحتمل أن يكون القول ثوابًا للصبر الذي هو فعل، فدل هذا على أن المعنى في قوله: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ دعاء من الملائكة لهم، على معنى: سملكم الله بما صبرتم، أو خبر منهم، أي: أن الله سلمكم من أهوال هذا اليوم من شره، وأدخلكم الجنة بصبركم في الدنيا، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على تقدير: الكرامة لكم بما صبرتم و (ما) هاهنا للمصدر، كأنه قبل بصبركم.
وقوله تعالى: ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ الدار هاهنا أيضًا يجب أن يكون مصدرًا؛ لأنه لو كان اسمًا، وأضيف إلى الدار صار لها. وليس المراد ذكر عاقبة (الدار، إنما المراد ذكر عاقبة) (٣) أهل الجنة ومدح عاقبتهم، والمقصود بالمدح محذوف على تقدير: نعم العقبى عقبى الدار، كقوله تعالى: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤] ولم يذكر أيوب لتقدم ذكره، ومثله قوله: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ [الجمعة: ٥] هذا كله إذا كان المراد بالدار الجنة. وقال صاحب النظم: (نعم) يقتضي اسمًا وخبرًا، والمعنى إن شاء الله: فنعم عقبى الدار ما أنتم فيه، أي هذا نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها، عملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه، فعلى هذا، العقبى اسم، والدار هي الدنيا (٤).

(١) "تنوير المقباس" ص ١٥٧.
(٢) "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري ٢/ ٧٥٧.
(٣) ما بين القوسين مكرر في (أ)، (ج).
(٤) القرطبي ٩/ ٣١٣.


الصفحة التالية
Icon