ألم يَيْأسِ الأقْوَامُ أني أنا ابنُه وإن كنتُ عن أرْضِ العَشِيرةِ نَائِيا
وقال قطرب (١): يئس: بمعنى علم؛ لغة العرب، وأنشد البيت. وقال الكسائي (٢): ما وجدت العرب تقول: يئست، بمعنى علمت، قال: وهذا الحرف في القرآن من اليأس المعروف لأمر (٣) العلم، وذلك أن المشركين لما طالبوا رسول الله - ﷺ - بهذه الآيات اشرأب المسلمون بذلك، وأرادوا أن يظهر لهم آية ليجتمعوا على الإيمان، فقال الله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ كأنه قال ألم يعلموا علمًا ييأسوا معه من أن يكون غير ما علموه، وهو أن الله لو شاء لهداهم من غير ظهور هذه الآيات، فأضمر العلم هاهنا مع اليأس، كما أضمر في قولهم: يئست من غلامي أن يفلح، وتأويله: يئست من غلامي علمًا مني أنه لا يفلح، وتلخيصه: قد علمت أن غلامي لا يفلح علمًا أيأسني من غيره، وهذا قول الفراء (٤) سواء.
وقال أبو إسحاق (٥) ثابتًا على هذا المعنى: القول عندي أن معناه: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء؛ لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعًا.
قال أبو بكر ابن الأنباري: وهذا القول مأخوذ من قول الكسائي والفراء وأبي إسحاق، هو معنى وليس بتفسير، كما قال الفراء هو في
(١) انظر: الطبري ١٣/ ١٥٣، و"تهذيب اللغة" (يئس) ٤/ ٣٩٩١.
(٢) "معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٩٨، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٩٢.
(٣) كذا في جميع النسخ ولعلها: (لامن العلم).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٦٣، ٦٤. وهو كذا في النسخ ولعل الصواب (وهذا وقول الفراء سواء).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٩.


الصفحة التالية
Icon