وقال الكلبي: يقول من بعد الصديد عذاب غليظ (١)، وهذا اختيار أبي إسحاق وأبي بكر؛ قال أبو إسحاق: أي ومن بعد ذلك (٢)، وقال أبو بكر: ومن بعد هذا العذاب المذكور عذاب غليظ (٣)، ومعنى غِلَظِ العذاب: اتصال الآلام وكثرتها؛ كالشيء الغليظ الذي كثر أجزاؤه وتكاثف، كما قلنا في: ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٧]
١٨ - قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية. اختلفوا في الرفع للمثل، فقال الزجاج: هو مرفوع على معنى: وفيما يتلى عليكم (٤)، وهذا مذهب سيبويه (٥). وقال الفراء: التقدير مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، فحذف المضاف اعتمادًا على ذكره بعد المضاف إليه، وذلك أن العرب تقدِّم المضاف إليه لأنه أعرف (٦)، ثم يأتي بالذي يخبر به عنه معه

(١) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ١/ ٣١٤ بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٣٥٤ بنصه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٧ بنصه.
(٣) لم أقف على مصدره، وقد بين ابن الأنباري في هذا القول أن الضمير في ورائه يعود على العذاب المتقدم، وقد ورد هذا القول بلا نسبة في: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٠، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٤٤٦، و"تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٢٠، و"البيان في غريب الإعراب" ٢/ ٥٦، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٥٤، وأبي حيان ٥/ ٤١٣، و"الدر المصون" ٧/ ٨١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٧ بنصه، والتقدير - كما بيّنه: وفيما يتلى عليكم مثلُ الذين كفروا بربهم، أو مثلُ الذين كفروا بربهم فيما يتلى عليكم.
(٥) "الكتاب" ١/ ١٤٣، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٨٠ - ١٨١، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٤٤٧، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤١٤، و"الدر المصون" ٧/ ٨١.
(٦) لأن المضاف غالباً ما يكون نكرة، وتكون غامضةً ومبهمةً، فيزيل المضاف إليه الغموض ويوضحه.


الصفحة التالية
Icon