وعد الشيطان الإخلافُ، فدل ذلك على الصدق في وعد الله.
وقوله تعالى: ﴿وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ الوعد يقتضي مفعولًا ثانياً، وحُذف هاهنا للعلم به والتقدير: ووعدتكم أن لا جنّة ولا نار ولا حشر ولا حساب فأخلفتكم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ قال ابن عباس: يريد من حجة أحتج بها عليكم، أي: بما أظهرت لكم حجة (١)، ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ هذا من الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن دعوتكم ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (٢) قال: يريد فصدقتموني وقبلتم مقالتي، وقال أبو إسحاق: أي أغويتكم وأضللتكم فاتبعتموني (٣)، ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ حيث أجبتموني وطاوعتموني من غير سلطان ولا برهان، قال أهل المعاني: ولَوْم النفس يصح على الإساءة كما يصح حمدها على الإحسان (٤)، كما قال (٥):
(٢) هذا ما ذهب إليه معظم المفسرين؛ أن الاستثناء منقطع؛ لأن الدعاء ليس من جنس السلطان. انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٢٠٠، والثعلبي ٧/ ١٥٠ أ، و"البغوي" ٤/ ٣٤٥، وابن عطية ٢٢٧/ ٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٥٧، والفخر الرازي ١٩/ ١١١، و"الإملاء" ٢/ ٨٦، و"الفريد في الإعراب" ٣/ ١٥٧، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٥٦، وأبي حيان ٥/ ٤١٨، و "الدر المصون" ٧/ ٨٨.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٨ بنصه.
(٤) لم أقف على هذا القول في كتب المعاني ولا كتب اللغة، وهي قضية بدهية ظاهرة لا خلاف حولها، ولا أدري ما وجه الغرابة في لوم النفس على الإساءة حتى يستشهد على ذلك بالبيت.
(٥) القائل هو الحارث بن خالد المخزومي، أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين. "الأغاني" ٣/ ٣٠٨.