عند جميع النحويين (١).
ووجه قول الكلبي، حيث أفرد الوحش والطير والدواب والأنعام: أن (من) لمّا (٢) وصفت بالمعاش الذي الغالب عليه أن يُوصفَ الناس به، فيقال: الآدمي يتعيش، ولا يقال: الفرس يتعيش، جرت الهَوَامُ والوَحشُ -لمَّا وُصفت بوصف الناس- مجرى الناس في التسمية، ألا ترى أن علامة جمعها جعلت كعلامة جمع الناس في قوله: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨] و ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠]، و ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] وكان وقوع (من) على غير الناس في هذا الموضع كتصيير الواو و (٣) الياء لجمع (٤) غير الناس حين وصفه بأوصاف الناس. هذا كلام أبي بكر، ومعنى قول أبي إسحاق (٥)، وذكر الفراء أن (من) يجوز أن تكون في محل خفض على تقدير: وجعلنا لكم فيها معايش ولمن، ثم قال: وقلما تَردُّ العربُ حرفًا مخفوضًا على مخفوض قد كُنِّيَ عنه (٦)، وهو جائز على قراءة من قرأ:

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩٢، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥٠، وهذا القول اختاره الطبري وصوَّبه.
انظر: "الطبري" ١٤/ ١٨.
(٢) في (ش)، (ع): (لها).
(٣) (الواو) زيادة يقضيها السياق.
(٤) في (أ)، (د): (الجميع)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو المناسب للسياق.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٦، بنصه تقريباً، وهذه مسألة خلافية بين النحويين؛ فأجازها الكوفيون ومنحها البصريون، ولكلٍ حجته في ما ذهب إليه، والصحيح جواز ذلك؛ لورود القراءة الصحيحة بذلك، والقراءة حجة يجب أن تُخضعَ لها قواعد النحو، ويحُكم بها عليها. انظر: المسألة بالتفصيل في "الإنصاف في مسائل الخلاف" مسألة رقم [٦٥] ٢/ ٤٦٣.


الصفحة التالية
Icon