وقوله تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، قال ابن عباس: يريد ما يكفي خلقي، وقال الحكم: ما من عام بأكثرَ مطرٍ من عام، ولكنه يُمْطَرُ قومٌ ويُحْرَمُ آخرون، وربما كان البحر (١)؛ يعني أن الله تعالى ينزل المطر كل عام قدر معلوم لا ينقصه ولا يزيده، غير أنه يصرفه إلى من شاء حيث شاء كما شاء، وقال أهل المعاني في هذه الآية: خزائن الله جل وعز مَقْدُوراته (٢)؛ لأنه يُقِّدر أن يوجد ما يشاء من جميع أجناس المعاني، وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ قال: يريد أَمْلِكُ خزائنه، وأقول كن فيكون (٣)، يعني أنه تعالى ذِكْرُه لما قَدَرَ على إنشاء ما يريد كما يريد، صارت الأشياءُ كأنها عنده في خزائنها مُعَدَّةٌ، وعلى هذا معنى قوله: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ أي ما ننشئه وما نحدثه، والإنزال يكون بمعنى الإنشاء والإحداث كقوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: ٦]، وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: ٢٥] وقد مر (٤)،

(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٩ بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ أبنصه، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٤، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، ابن كثير ٢/ ٦٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة، وقد أخرجه أبو الشيخ في العظمة ص ٣٢٤، لكن عن الحسن لا عن الحكم كما قال السيوطي.
(٢) انظر: "غرائب التفسير" ١/ ٥٨٩، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٢، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٤، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، الخازن ٣/ ٩٣.
(٣) في "تنوير المقباس" ص ٢٧٧ قال: بيدنا مفاتيحه لا بأيديكم، وعنه في الدر المنثور قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر الأخرى. "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) لعل الأولى أن يقول وسيأتي.


الصفحة التالية
Icon