وخلو الأرض عن سكانها أجلاً، فهو يؤخرهم إلى أجل مُسَمّى كي يتوالدوا، والأجل المسمى في هذه الآية: القيامة، في قول عطاء عن ابن عباس (١)، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ يريد أجل القيامة، وفي قول الآخرين: يعني منتهى الأجل وانقضاء العمر (٢)، ولعل الأقرب هذا؛ فإن المشركين يؤاخذون بالعقوبة إذا انقضت أعمارهم وخرجوا من الدنيا، ووجه القول الأول: أن معظم العذاب يوافيهم يوم القيامة، وذكرنا معنى: ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ في سورة الأعراف: [٣٤].
٦٢ - قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾، معنى ﴿يَجْعَلُونَ﴾ هاهنا يصفونه بذلك ويحكمون به له، لقولك: جعلت زيدًا أعلى الناس؛ وذكرنا معاني الجَعَل عند قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣].
وقوله تعالى: ﴿مَا يَكْرَهُونَ﴾ يعني البنات في قول جميع المفسرين (٣)، والمعنى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾: لأنفسهم،

(١) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٦٠، وورد غير منسوب في "تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٧٥، و"تفسير الماوردي" ٣/ ١٩٥، والخازن ٣/ ١٢١.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٨ ب، بنصه، والطوسي ٦/ ٣٩٦، بمعناه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٢٦، وابن الجوزي ٤/ ٤٦٠، والفخر الرازي ٢٠/ ٦٠، و"تفسير البيضاوي" ١/ ٢٧٨، والخازن ٣/ ١٢١، وذهب بعضهم إلى أنه الوقت الذي قدّره الله لإنزال العذاب بهم في الدنيا، فيكون الناس من العام المخصوص؛ أي أهل المعاصي والكفر؛ كما في قول ابن عباس القول الأول. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٤ أ، والطبري ١٤/ ١٢٥ - ١٢٦، و"تفسير الماوردي" ٣/ ١٩٥، والفخر الرازي ٢٠/ ٦٠، و"القرطبي" ١٠/ ١١٩، والخازن ٣/ ١٢٠.
(٣) ورد بلفظه في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٤ أ، والطبري ١٤/ ١٢٦، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٧٨، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٣٩، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٧٥، والثعلبي ٢/ ١٥٨ ب، والطوسي ٦/ ٣٩٦.


الصفحة التالية
Icon