قعد به، وأنت تريد: قعد هو (١).
١٨ - قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ قال المفسرون: أىِ الدنيا (٢)، والعاجلة نقيض الآجلة؛ وهي الدنيا عُجّلَت وكانت قَبْل الآخرة، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾، هذا ذم لمن أراد بعمله وطاعته وإسلامه الدنيا ومنفعتها وعروضها، وقد بين الله تعالى أن من أرادها (٣) لم يدرك منها إلا ما قَدَّره اللهُ له إذا أراد أن يُقَدّر له؛ لأنه قال: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾، أي: القَدْر الذي نشاء، نُعَجّل له في الدنيا لا الذي يشاء هو.
ثم بَيّن أن ما يُعَجَّل ليس عامًّا لكل أحد، فقال: ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾، أي: لمن نريد أن نعجل له شيئًا قدرناه له، فإذًا قد يخيب كثير ممن يتعب للدنيا ويطلبها بسعيه (٤)، والذي يدركها لا يدرك إلا ما قُدِّر له، ثم يدخل النار في الآخرة ﴿مَذْمُومًا﴾، قال ابن عباس: ملومًا (٥)، ﴿مَدْحُورًا﴾: منفيًا مطرودًا، وذكرنا معنى ﴿مَدْحُورًا﴾ في سورة الأعراف [آية ١٨]، ومعنى هذه الآية كقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥]، وقد مر،

(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٩ بتصرف يسير، انظر: "تفسير الطبري" ١٥/ ٥٨.
(٢) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٣ ب بلفظه، وأخرجه الطبري ١٥/ ٥٩ بلفظه عن ابن زيد، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٣٨ بلفظه، و"تفسير الجصاص" ٣/ ١٩٦، والثعلبي ٧/ ١٠٦ ب، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٠٨ وعزاه نسبته إلى ابن أبي حاتم عن الضحاك.
(٣) في جميع النسخ: (أراد بها)، والصواب ما أثبته بإسقاط الباء؛ لأنها تجعل المعنى مضطربًا.
(٤) مطموسة في (ع)، وفي (أ)، (د): (بسعته)، والمثبت من (ش)، وهو الصواب.
(٥) أخرجه الطبري ١٥/ ٥٩ بلفظه من طريق ابن أبي طلحة صحيحة، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٠٩، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.


الصفحة التالية
Icon