الله (١)، ومذهبه في لا جرم في سورة هود غير هذا (٢)؛ فمعنى لا جرم هاهنا: تأكيدٌ وقَسمٌ ﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾، وتأكيد ذلك تأكيد جزائهم؛ كأنه قيل: يجازيهم بما يسرون وما يعلنون؛ لأنه يعلم ذلك.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾، أي: لا يثيبهم ولا يمدحهم ولا يرضى عنهم (٣).
٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، معنى أساطير الأولين ذكرناه في سورة الأنعام [٢٥]، قال ابن عباس: نزلت في النضر بن الحارث وأصحابه؛ كان خرج إلى الحِيرَة فاشترى أحاديث كَليلة ودِمنة وأساطير الأولين، وكان يقول: تعالوا أقرأ عليكم ما يقرأ محمد على أصحابه؛ أساطير الأولين (٤).
وقال أبو إسحاق في هذه الآية: (ما) مبتدأة و (ذا) في موضع الذي،

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٩٤، بنحوه.
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٤٦.
(٣) هذا من تأويلات الأشاعرة للصفات الفعلية لله تعالى، إذ صرفوا اللفظ عن ظاهره دون دليل أو حجة إلا شبهات واهية، فأولوا صفة المحبة: بالإثابة والمدح والرضى عنهم كما هنا، أو بالإحسان إليهم والتفضل بإعطاء الثواب أو إرادة الإنعام والإحسان. أما مذهب أهل الحق: فيثبتون صفة المحبة الله تعالى إثباتًا حقيقيًا على وجه يليق بجلاله وعظمته، كما أنهم يثبتون معه لازم المحبة؛ وهي إرداته سبحانه إكرام من يحبه وإثابته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين ومحبتهم له، وهذا أصل دين الخليل إمام الحنفاء -عليه السلام-. انظر: "مجموع الفتاوى" ٢/ ٣٥٤، و"مدارج السالكين" ٣/ ١٨، و"أقاويل الحقات في تأويل الأسماء والصفات" ص ٧٧، و"شرح العقيدة الواسطية" للهراس ص ٥٣.
(٤) انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٩٧. و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٩٥، ورد فيهما بلا نسبة.


الصفحة التالية
Icon