مماته، فعمي عن رشده ولم يَتُبْ، ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾، أي: أشد عمى، ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾؛ لأنه لا (١) يجد طريقًا إلى الهداية (٢).
وقال أبو علي: معنى قوله: ﴿فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾، أي: أشد عمى، إنه في الدنيا كان مُمَكَّنًا من الخروج عن عَمَاه بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إلى الخروج من عماه؛ لأنه قد حصل على عمله، ولذلك قوله: ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾؛ لأن ضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه (٣).
وعلى هذا القول: لا يُحتاج إلى تقدير المضاف في قوله: ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾، وهذا قول الحسن وقتادة؛ روينا ذلك عنه في مسند التفسير، والعمى في الآية المراد منه: عمى القلب، ولذلك جاز ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ بمعنى أشد عمى، ولو كان من عمى العين لم يجز أعمى بمعنى أشَدَّ عمى.
قال الفراء: [العرب إذا قالوا: هو أفعل منك، قالوه فيما كان فعله على ثلاثة أحرف، فإذا زاد على ثلاثة أحرف لم يقولوا: هو أفعل منك، حتى يقولوا: هو أشدّ حمرة منك؛ لأنه يقال في الفعل منه: أحمر، وأما في العمى فإنه يقال: فلان أعمى من فلان في القلب، ولا يقال: هو أعمى منه في العين؛ وذلك أنه لما جاء على مذهب أحمر وحمراء تُرك فيه أفعل منه كما ترك] (٤) في كثير من أشباهه.
قال: وبعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٥٣، بتصرف يسير.
(٣) "الحجة للقراء" ٥/ ١١٣، بتصرف.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (د)