قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقرئ: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي﴾ (١)، على الأمر له بأن يقول ذلك.
قال ابن عباس: يقول: عَظُمَ ربي وكَرُمَ، ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾، كقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف: ١١٠]، أي: إن هذه الأشياء ليس في قوى البشر أن يأتوا بها، فلا وجه لطلبكم هذه الآيات مني مع صفتي أني بشر.
٩٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ قال ابن عباس: يريد أهل مكة (٢)، ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾، أي: الإيمان والتصديق، ﴿إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى﴾: أي البينات والرشاد من الله تعالى على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو القرآن، ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾، أي: إلا قولهم في التعجب والإنكار، ﴿أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ قال أهل المعاني: ووجه تعجبهم من بعث الله بشرًا رسولاً، جهلهم في التعظيم؛ وهو قولهم: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، كما توهموا أن عبادة الأصنام تجوز من طريق التعظيم لله (٣)، و ﴿رَسُولًا﴾ منصوب على أنه مفعول ثان للبعث، كقولك: بعثت زيدًا رسولاً إلى فلان، وفي إنكارهم كون البشر رسولاً اقتضاءُ أن يُبْعَثَ إليهم مَلَكٌ، وكأنه قيل: أبعث الله بشرًا رسولاً؟! هلا بعث مَلَكًا (٤) رسولاً!
٩٥ - فقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ

(١) قرأ بها: نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي. انظر: المصادر السابقة.
(٢) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ٨٩، و"تنوير المقباس" ص ٣٠٥، وورد بلا نسبة في "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٩ ب، و"السمرقندي" ٢/ ٢٨٤.
(٣) ورد نحوه في "تفسير الطوسي" ٦/ ٥٢١
(٤) في (د): (ما كان)، وفي (أ): (ما كا)، ويبدو أنها تصحفت عن (ملكًا).


الصفحة التالية
Icon