أمة الله أكرم يزيد! فهذا معناه ما أكرمه! ولو كان يأمرها أن تفعل شيئًا لقال: أكرمي زيدًا) (١).
وقال الفراء: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ يريد الله، كقولك: أكرم بعبد الله! ومعناه: ما أكرم عبد الله! وكذلك قوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] ما أسمعهم وما أبصرهم!) (٢).
وقال أبو إسحاق: قوله: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أجمع العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره! أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم) (٣).
وقال أبو علي: (العرب تتسع فتقيم المثال الذي يختص بالأمر مقام الخبر، والمثل المختص بالخبر موقع الدعاء والأمر مما أقيم من أمثلة الأمر موقع الخبر قولهم: أكرم يزيد! وقوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨]، ومعنى هذا ما أكرم زيدًا، واسمعوا وأبصروا، أي: صار زيد ذا كرم، وصار هؤلاء ذوي أسماع وأبصار. قال: وموضع الباء مع ما بعده من المنجر رفع، كما أن الباء في: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] كذلك فوقع مثال الأمر هاهنا موقع الخبر، كما وقع مثال الخبر موقع الأمر في الدعاء في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يد فلان، وجاء في التنزيل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] فهذا لفظه كلفظ أمثلة الأمر، ومعناه الخبر، ألا ترى أنه لا وجه للأمر هاهنا وأن المعنى مده الرحمن مدا، ويدلك على أن المراد بقوله: أكرم يزيد! أن معناه أنه قد

(١) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦١٨.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٠.


الصفحة التالية
Icon