ولا يجوز النصب؛ لأن العرب تقول: جَعَل لنفْسِه ما يشتهي، ولا تقول جَعَل زيدٌ له ما يَشْتهىِ، وهو يعني نفسه (١).
٥٨ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى﴾ أي أُخبر بولادة بنت، والتبشير هاهنا بمعنى الإخبار أو بمعنى حقيقة التبشير على ما بينا في قوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥]؛ لأن الحزن يؤثر في البَشَرة كما يؤثر السرور، يدل على هذا قوله: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ قال الزجاج: أي متغيرًا تَغَيُّرَ مغتم، ويقال لمن لَقِي مكروها: قد اسود وجهه غمَّا وحُزْنًا (٢)، وشرح أبو علي هذا فقال: ليس المعنى على السواد الذي هو خلاف البياض، ولكن على ما يلحق من غضاضة عن مذمة (٣)، ونَزَّلُوا ولادةَ الأنثى -وإن لم يكن من فِعْلِهم- منزلةَ ما يكونُ من فِعْلِهم مما يلحق من أجله العار، وعلى ضِدِّ هذا يمدحون بالبياض من لم يلحقه عار، من ذلك قوله (٤):
وأَوْجُهُهُمْ بيضُ المَسَافِرِ غُرَّان (٥)

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٠٦، بتصرف يسير.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٠٦، بنصه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٢٤، وابن الجوزي ٤/ ٤٥٨، والفخر الرازي ٢٠/ ٥٥.
(٣) لم أقف عليه، وورد نحوه في "تفسير القرطبي" ١٠/ ١١٦.
(٤) البيت لامرئ القيس.
(٥) وصدره:
ثيابُ بَني عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيةٌ
"شرح ديوان امرئ القيس" ص ١٦٧، وفيه (عند المشاهد) بدل (ببض المسافر)، وورد في "العين" ٤/ ١٩، وفي (غرر) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٥٢، و"الصحاح" ٢/ ٧٦٧، و"اللسان" ٦/ ٣٢٣٤، و"التاج" ٧/ ٣٠١، وفيه (المشاهد) بدل (المسافر)، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٤٢٨، برواية: (عند المسافر)، "الأساس" ص ٢٩٨. (المَسَافر)؛ أصله: سفر؛ أي أشرق، يقال: سفر وجهه حُسناً، وأسفر، =


الصفحة التالية
Icon