فإن قيل كيف جاء ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ مع قوله: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾؟ [النحل: ٧٤] قيل: لأنه بمعنى الأمثال التي توجب الأشباه، فأما الأمثال التي يضربها الله من غير شَبَه له بخلقه فحقٌّ وصوابٌ؛ لما فيها من الحِكم (١).
٦١ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين، ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ قال: يريد بافترائهم على الله، ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ قال: يريد من (٢) مفتر، هذا قوله في رواية عطاء (٣)، ومعناه: أنه لو عاجلهم بالعقوبة على كفرهم ما أمهلهم طرفة عين ولأخلى وجه الأرض عنهم، والكناية في: ﴿عَلَيْهَا﴾ تعود إلى الأرض ولم يسبق لها ذكر، ولكن ذكر الدابة تدل على الأرض؛ فإنها تَدُبّ عليها، وكثير ما يُكَنّي عن الأرض وإن لم يتقدم ذكرها؛ لأنه لا يُشْكِل، يقولون: ما عليها مثل فلان، وما عليها أكرم من فلان؛ يعنون على الأرض (٤)، وعلى هذا التفسير الدابة تختص بالمفتري، وقال سائر المفسرين: يعني دواب الأرض؛ روى السدي عن أصحابه في قوله: ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ يقول لأقحط المطر، فلم يبق في الأرض دابة إلا هلكت (٥)، ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأ هذه
(٢) موضع طمس في (ع) وغير واضح.
(٣) انظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣٣٣، وأبي حيان ٥/ ٥٠٦، وفيهما قال: ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ أي: من مشرك يدبّ عليها.
(٤) نقله الفخر الرازي بنصه دون عزو، انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٦٠.
(٥) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٥٩، وأبي حيان ٥/ ٥٠٦، وورد في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٤ أ، بنحوه غير منسوب.