وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي﴾ الآية، قال ابن عباس: (يريد إن كان البعث حقًا) (١) ﴿لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ يريد: كما أعطاني هذا في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه لكرامتي عليه (٢).
وقال أهل المعاني: (هذا يدل على أن صاحبه المؤمن قد أعلمه أن الساعة تقوم، وأنه يبعث، فأجابه بأن قاله له: إن كان الأمر على ما أعلمتني أني أبعث، ليعطيني في الآخرة خيرًا مما أعطاني في الدنيا؛ لأنه لم يعطني هذا في الدنيا إلا وهو يريدني) (٣).
وقال ابن زيد: (شك، ثم قال على شكه في الرجوع إلى ربه: ما أعطاني هذا إلا ولي عنده خير منه) (٤). تهكما سولته له نفسه.
واختلفوا في قوله: ﴿مِنْهَا﴾ فقرؤا بالإفراد والتثنية (٥). والإفراد أولى من حيث كان أقرب إلى الجنة المفردة في قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾، والتثنية لا تمتنع لتقدم ذكر الجنتين.
٣٧ - فأجابه صاحبه مكفرًا له بهذا القول فقال: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ

(١) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٤ بلا نسبة.
(٢) وما تضمنته هذه الآية من جهل الكفار واغترارهم بالحياة الدنيا جاء مبينًا في آيات أخر ومنها في سورة فصلت الآية رقم (٥٠): {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٢، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.
(٤) "جامع البيان" ٢٤٧/ ١٥.
(٥) قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (خيرًا منها) بالإفراد. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر. (خيرًا منهما) بالتثنية. انظر: "السبعة" ص ٣٩٠، "الحجة" ٥/ ١٤٤، "المبسوط في القراءات" ٢٣٤، "التبصرة" ص ٢٤٨، "العنوان" ص ١٢٣.


الصفحة التالية
Icon