مِنْ تُرَابٍ} قال ابن عباس: (يريد أن آدم خلق من تراب) (١). ثم ولده من نطفة، وإذا كان أبوه من تراب فهو من تراب، ومعنى النطفة في اللغة: الماء، يقال: في القربة نطفة من ماء (٢). ولا فعل للنطفة.
قال الأزهري: (والعرب تقول للماء القليل والكثير: نطفة) (٣). وسمى الله عز وجل المني نطفة قال: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧].
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ قال الكلبي: (جعلك معتد الخلق والقامة، صحيح اليدين، والرجلين، والعينين) (٤). والتسوية: جعل الشيء على المقدار.
وقال الزجاج: (أي: ثم أكملك) (٥). وهذا الجيد في تفسير سواك هاهنا، لأن العرب تقول للغلام إذا تم شبابه: قد استوى، ومنه قوله: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] أي: تم شبابه واجتمع، فالتسوية هاهنا: واقع الاستواء بالمعنى الذي ذكرنا، يقال: سواه الله رجلاً فاستوى.
٣٨ - ثم أعلمه صاحبه أنه موحد لله فقال: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾

(١) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٧ بدون نسبة، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٣١١، "روح المعاني" ١٥/ ٢٧٦. ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (نطف) ٤/ ٣٦٠، "مقاييس اللغة" (نطف) ٥/ ٤٤٠، "الصحاح" (نطف) ٤/ ١٤٣٤، "لسان العرب" (نطف) ٧/ ٤٤٦٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (نطف) ٤/ ٣٦٠١.
(٤) ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٧، "روح البيان" ٥/ ٢٤٧، "فتح القدير" ٣/ ٤٠٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.


الصفحة التالية
Icon