المال، فإذا بطل هذا ثبت الوجه الآخر، على أنه لا يجوز على نبي الله أن يقول: أخاف أن يرثني بنو عمي وعصبتي على ما فرضته لهم، ويدل على صحة هذا قراءة عثمان -رضي الله عنه-: (وإني خَفَّتِ الموالي) (١). أي: أنهم قَلُّوا وقَلَّ من كان منهم يقوم بالدين فسأل وليا يقوم به) (٢).
وبين عبد الله بن مسلم هذا فقال: (زكريا لم يرد يرثني مالا، وأي مال كان لزكريا فيظن به عن عصبته حتى يسأل الله أن يهب له ولدًا يرثه، لقد جَلَّ هذا المال إذا وعَظُم عنده، ونافس عليه منافسة أبناء الدنيا الذين لها يعملون وللمال يكدحون، وإنما كان زكريا ابن آذر نجارا وكان حبرا). كذلك قال وهب بن منبه (٣).
وكلا هذين الأمرين يدل على أنه لا مال له، والذين قالوا: يرثني مالي رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: (رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته) (٤). وهذا لا يدل على أنه فسر الآية بوارث

= النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا نورث ما تركناه صدقة" (٣/ ١٣٧٩، والترمذي في "جامعه" كتاب: السير، باب: ما جاء في تركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ٤/ ١٣٥، وقال: حديث صحيح، وأخرجه النسائي: كتاب: قسم الفيء ٧/ ٩٥، والإمام أحمد في مسنده ١/ ٤.
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨٩، "مختصر ابن خالويه" ٨٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٥، "المحتسب" ٢/ ٣٧.
(٢) "الحجة السبعة" للفراء ٥/ ١٨٩.
(٣) لم أقف على هذا القول. ولكن له شواهد، فقد صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان زكريا نجارا. انظر: "صحيح مسلم" كتاب الفضائل، باب: من فضائل زكريا عليه السلام ٤/ ١٨٤٧، وابن ماجه كتاب: التجارات، باب: الصناعات ٢/ ٧٢٧، وأحمد ٢/ ٢٩٦، وابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٤.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ١٦/ ٣٧ بسنده عن قتادة، وعبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ١ ب، والماوردي في "النكت" =


الصفحة التالية
Icon