﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ﴾ يحيى. قرئ: خلقناك (١)، لكثرة ما جاء من (٢) لفظ الخلق مضاف إلى لفظ الجمع كقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [الحجر: ٢٦]، في مواضع. وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ [الأعراف: ١١]، ولغة الجمع قد جاء بعد لفظ الافراد كقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى﴾ [الإسراء: ١]، ثم قال: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الإسراء: ٢]. واختار أبو عبيد التاء (٣)؛ لأنها تشاكل الياء في: ﴿عَلَيَّ هَيِّنُ﴾.
وقال أحمد بن يحيى (٤): (الاختيار النون والألف؛ لأن فيه زيادة حرف وبكل حرف عشر حسنات) (٥). والقراءة غير مخالفة خط المصحف؛ لأنهم يسقطون الألف من الهجاء في مئل هذا البناء؛ ولأن فيه الفخامة والتعظيم لاسم الله -عز وجل- وله المثل الأعلى.
وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ يريد أنه كان عدما فأوجده بقدرته، وفي هذا رد على القدرية في تسميتهم المعدوم شيئًا (٦). والله تعالى يقول

(١) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: (خلقتك) بالتاء من غير ألف. وقرأ: حمزة، والكسائي: (خلقناك) بالنون والألف. انظر: "السبعة" ص ٤٠٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٥، "التبصرة" ص ٢٥٥، "النشر" ٢/ ٣١٧.
(٢) قوله: (من لفظ الخلق مضاف إلى) ساقط من نسخة: (س).
(٣) ذكره بلا نسبة الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٥.
(٤) هو: ثعلب، تقدمت ترجمته.
(٥) لم أقف عليه. ويشهد له ما صح من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".
(٦) قال القاضي علي بن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ١١٧: أهل السنة عندهم أن الله على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة، وأن المعدوم ليس بشئ في الخارج، ولكن الله =


الصفحة التالية
Icon