وعلى هذا معنى قوله: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ هو الصوم المعروف الذي هو عبادة. قال السدي، وابن زيد: (كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام، كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم حتى يمسي) (١). ويدل على صحة هذا القول قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ أي: إني صائم فلا أكلم اليوم أحدًا. ولو أريد بالصوم هاهنا الصمت فقط لم يحتج إلى قوله فلن أكلم اليوم. وأيضًا فإنه قال: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ والصوم الذي هو لله إنما هو (٢) ترك الطعام لا ترك الكلام.
قال المفسرون: (كان قد أذن لها أن تقول: ﴿نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [ثم تسكت ولا تتكلم بشيء آخر) (٣).
وقال قوم: (كانت تقول هذا القدر إشارة بحيث يعرف أنها ممسكة عن الكلام) (٤). وأما سبب أمرها] (٥) بترك الكلام فقال ابن مسعود، وابن

= ٣/ ٣٦٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٣٣١.
(١) "جامع البيان" ١٦/ ٧٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٧، "زاد المسير" ٥/ ٢٢٥، "الدر المنثور" ٤/ ٤٨٥.
(٢) قوله: (هو)، ساقط من نسخة (س).
(٣) "النكت والعيون" ٣/ ٣٦٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٧،" الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٩٨.
وهذا قول جمهور المفسرين. قال أبو حيان في "تفسيره" ٦/ ١٩٥: إن المعنى فلن أكلم اليوم إنسيا بعد قولي هذا، وبين الشرط وجزائه جملة محذوفة يدل عليه المعنى أي: فإما ترين من البشر أحدًا وسألك أو حاورك الكلام فقولي. وانظر: "أضواء البيان" ٤/ ٢٥٤.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٣٢٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٢٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٣١.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).


الصفحة التالية
Icon