وقد بينا استقصاء هذا عند قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾ (١).
وأخبرني العروضي عن الأزهري عن المنذري قال: (سئل أحمد بن يحيى عن قول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فقال: الاستواء الإقبال على الشيء) (٢).
وقال الأخفش: (استوى أي علا تقول: استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته) (٣). ونحو هذا قال أبو عبيدة (٤). وعلى هذا التفسير معنى الآية: أنه عز وجل علا على العرش بقدرته وقوته، وخص العرش بالذكر؛ لأنه أعظم المخلوقات. وعامة السلف أعرضوا عن الكلام في هذه الآية ونظائرها وذلك طريقة مالك، والشافعي، والأوزاعي، والثوري رحمهم الله (٥).

(١) سورة البقرة: (٢٩). وانظر تعليق المحقق عليه.
(٢) "تهذيب اللغة" (سواء) ٢/ ١٧٩٤.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣١، "تهذيب اللغة" (سواء) ٢/ ١٧٩٤.
(٤) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٥.
(٥) إن أريد إعراضهم عن معانيها؛ فهذا قول المفوضة لا قول أهل السنة، فإن أهل السنة يثبتون الأسماء والمعاني والصفات الثابتة اللائقة بالله عز وجل، وأما الإعراض في آيات الصفات فإنما يكون للكيفية فهي التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ومثل هذا يقال في معنى الاستواء، فالمنهج السوي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، فهو سبحانه مستو على عرشه عال على خلقه، ولا يلزم لهذا أي: لازم باطل مما يلزم لاستواء المخلوقين.
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٢/ ٢٢٠: (وللناس في هذا المقام مقالات كثرة جدًّا يشير هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد وإسحاق بن راهوية وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا وهو: إمرارها كما =


الصفحة التالية
Icon