وذهب بعض المتأولين (١) إلى أنَّ "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" ليس بثناء على آلهة المشركين ولا مدح لها، ولكن يكون التقدير فيه: تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى عندكم وفيما تذهبون إليه، لا أنَّها في الحقيقة كذلك، كما قال ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩] أي عند نفسك.
وهذا في البعد، كما روي عن الحسن؛ لأن هذا التأويل لا يمنع من سماع هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بين القرآن.
فإذًا (٢) الصحيح في هذا أن يقال: إنّه من السهو الذي لا يعرى منه بشر، ثم لا يلبث أن ينبهه الله (٣) عليه، وإما أن يقال إنَّه كان من الشيطان فتنة للناس كما ذكرنا.
وقوله: ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [إن قلنا] (٤) أن الشيطان تكلم بهذا على لسانه فهو ظاهر، وإن قلنا إنّه سهى وغلط (٥)؛ فإن ذلك السهو من جهة الشيطان ووسوسته فهو من إلقائه. ومفعول ﴿أَلْقَى﴾ غير مذكور في اللفظ لأنه كان معلومًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه حين نبه على غلطه ألا ترى أنه نقل نقلًا مستفيضًا.
وقوله ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ أي: يرفعه ويبطله بتنبيه
(٢) في (أ): (فإذن).
(٣) لفظ الجلالة ليس في (ظ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) في (د)، (ع): (سهو وغلط).