وإنما يقولونه للشيء الذي تقع به الطهارة (١). ولهذا قالوا للحد الذي يقام على مستحقيه: طَهور. فأما قول جرير:
عِذَاب الثنايا رِيقهن طَهور (٢)
فإنه لما عُلم أن غاية وصف الماء أن يقال: طَهور، شَبَّه الريق بالماء، وأحبَّ أن يُزيلَ عن الريق سِمة النجاسة، فلم يمكنه أن يصفه إلا بما يوسف به الماء. ألا ترى أنه قال: عِذاب الثنايا، فوصفها بالعُذوبة، وهي من صفة الماء، فكما أن العذب حقيقة في الماء، مجازٌ في غيره، كذلك: الطَّهور، حقيقةٌ في الماء، مستعارٌ في الريق.
وأما قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] فإن الله تعالى لما وصف الماء في الدنيا بالطهارة فجعله طَهورًا، وهذا غاية ما يوصف به الماء، وصَفَ ذلك الشراب أيضًا هذا الوصف لنعتقد فيه من الطهارة، ما اعتقدناه فيما وصفه من الماء. فإن قيل: لو كان المراد بالطَّهور ما ذكرتَه لَمَا سُمِّي طَهورًا إلا بعد أن يُطَّهِر فهذا ساقط، ومذهب العرب بخلاف هذا؛ ألا ترى أنهم يسمُّون الطعام الذي يُفطَر عليه: فَطورًا، وكذلك: السَّحور، ويُسمون الشعير: قَضيمًا قبل أن يُقضم، ويقولون: ما
(١) في نسخة (ج)، كلمتان غير واضحتين، والأقرب أنهما: والنباتات الطاهرة.
(٢) لم أجده في ديوان جرير. وأنشده ابن العربي في أحكامه ٣/ ٤٣٥، غير منسوب. وكذا القرطبي ١٣/ ٣٨. وأبو حيان ٦/ ٤٦٣، وفي الحاشية: البيت لجميل، ديوانه ٩٣؛ ولم أجده فيه. وفي حاشية "الدر المصون" ٨/ ٤٨٨: لم أهتد إلى قائله.