مَتَابِ} [الرعد: ٣٠] أي: مرجعي في المعاد (١).
وقال ابن الأنباري: يُسأل عن هذه الآية فيقال: ما الفائدة في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ بعد قوله: ﴿وَمَنْ تَابَ﴾ وهل يجوز لقائل أن يقول: من قام فإنه يقوم، ومن ركب فإنه يركب؟ والجواب: أن التكرير وجب لزيادةٍ في المعنى؛ ومعنى الآية: من أراد التوبة وقصد حقيقتها ينبغي أن يريد الله بها، ولا يخلط بها أمرًا من أمور الدنيا. كما يقول الرجل: من تجر فإنه يتجر في البَزِّ (٢)، ومن ناظر فإنه يناظر في النحو. أي: من أراد التجارة فينبغي له أن يتجر في البَزِّ، ومن أراد حسن المناظرة ودقة الاستخراج فينبغي له أن يناظر في النحو (٣).
وقال أبو علي الفارسي: وجه دخول الفاء في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ كما ذكرنا في قوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ﴾ [البقرة: ١٥٨] ومعنى قوله: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ فالقول في هذا: أن اللفظ على شيء، والمعنى على غيره، وذلك غير ضيق في كلامهم، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيد، والمعنى لم تؤذيه، واللفظ إنما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه، وكذلك قولهم: أمكنك الصيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال أي: انظر إليه، فكذلك قوله: ﴿وَمَن تَابَ﴾ كأنه: ومن عزم على التوبة فينبغي أن يبادر إليها ويتوجه بها إلى الله سبحانه، وهذا كما قال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ﴾ [النحل: ٩٨] أي: إذا عزمت على ذلك، وعلى هذا المعنى قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ أي: ينبغي أن يتوب، كقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
(٢) البَزُّ: ضرب من الثياب. "تهذيب اللغة" ١٣/ ١٧٣ (بز).
(٣) ذكره ابن الجوزي ٦/ ١٠٨، عن ابن الأنباري.