والمراد بالنار هاهنا: النور، وذلك أن موسى رأى نورًا عظيمًا فظنه نارًا لذلك ذكرها هنا بلفظ النار (١)، والمعنى: بورك الله الذي في النار، وحسن هذا؛ لأنه ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار (٢).
وهذا كما روي أنه مكتوب في التوراة: جاء الله من سيناء يعني: بعث الله موسى من سيناء حتى يدعو الخلق إليه، ويعرفهم توحيده ودينه

(١) "الوسيط" ٣/ ٣٦٩، وصدره بقوله: ومذهب المفسرين. ونقله عنه الشوكاني ٤/ ١٢٢، ولم يعترض عليه. وذكره الماوردي ٤/ ١٩٥، ولم ينسبه. واقتصر عليه ابن كثير ٦/ ١٧٩، وذكر عن ابن عباس، أنه قال: نور رب العالمين. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٣٤، بلفظ: يعني نفسه، قال: كان نور رب العالمين في الشجرة. ثم ذكر ابن كثير بعد ذلك حديثَ أَبِي مُوسَى؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ الله لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيرْفَعُهُ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أخرجه ابن ماجه ١/ ٧١، المقدمة، رقم: ١٩٦. ومسلم ١/ ١٦٢، كتاب الإيمان، رقم: ١٧٩. دون ذكر الآية. وصححه الألباني، "صحيح سنن ابن ماجه" ١/ ٣٩، رقم: ١٦٢. وجوَّد إسناده محقق مسند أبي يعلي الموصلي ١٣/ ٢٤٥. قال السيوطي: أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب، قال: النار: نور الرحمن. "الدر المنثور" ٦/ ٣٤١.
قال سعيد بن جبير: كانت النار بعينها. "تفسير البغوي" ٦/ ١٤٥، ثم قال البغوي والنار إحدى حجب الله تعالى، كما جاء في الحديث (حجابه النار). وهي رواية للحديث السابق أخرجها الإمام أحمد، مسند الكوفيين، رقم: ١٩٠٩٠. والذي يظهر -والله تعالى أعلم- صحة هذا التأويل، ولا يلزم من القول به لوازم باطلة فإن الله تعالى قد أخبر بنفسه عن نفسه بذلك كما أخبرنا عن تجليه سبحانه وتعالى للجبل فقال: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] والله أعلم.
(٢) "التبيان في تفسير القرآن" ٨/ ٧٧.


الصفحة التالية
Icon