في البيوت، لا تضر ولا تؤذي (١).
قال أبو إسحاق: المعنى: أن العصا صارت تتحرك كما يتحرك الجانّ حركة خفيفة وكانت في صورة ثعبان (٢).
ونحو هذا قال ثعلب: شبهها في عظمها بالثعبان، وفي خفتها بالجانّ، فلذلك قال الله تعالى مرة: ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ ومرة: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧، والشعراء: ٣٢] (٣)
وقيل: الاختلاف في التشبيه لاختلاف الحالين؛ فالجانّ عبارة عن أول حالها ثم لا تزال تزيد وتربو حتى تصير ثعبانًا عظيمًا (٤).
قوله تعالى: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ قال مقاتل: من الخوف من الحية {وَلَمْ

(١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ". قَالَ عَبْدُ الله: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلَهَا فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لا تَقْتُلْهَ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ قَالَ: إِنَهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الْعَوَامِرُ. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم: ٣٢٩٧، ٣٢٩٨، فتح الباري ٦/ ٣٤٧، وفيه: وذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان، والأبتر: مقطوع الذنب. والعوامر: عمار البيوت؛ أي: سكانها من الجن. وأخرج مسلم ٤/ ١٧٥٦، عن أبي سعيد مرفوعًا: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئًا فحرجوا عليه ثلاًثا؛ فإن ذهب وإلا فاقتلوه". "صحيح مسلم" كتاب: السلام (٢٢٣٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٩.
(٣) "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٩٦ (جن). و"تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٩، ولم ينسبه.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٢١ أ. ولم ينسبه. قال أبو الليث: الثعبان كان عند فرعون، والجان عند الطور. "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٩٠. وذكره الطوسي، ولم ينسبه، "التبيان في تفسير القرآن" ٨/ ٧٨. وهذا التفريق له وجه؛ لكنه يحتاج إلى دليل يشهد له. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon