القول الثاني: قال: هذا الاستثناء ليس من المرسلين، ولكنه من متروكٍ في الكلام على تقدير: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ إنما الخوف على غيرهم، ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ أي: أشرك، فهو يخاف عذابي (١) ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ يعني توحيدًا بعد شرك. أي: فتاب وعمل حسنًا فذلك مغفور له ليس بخائف (٢).
قال ابن قتيبة: وهذا يبعد؛ لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر الكلام دليل على هذا التأويل (٣). والقول الأول قول مقاتل (٤)، والثاني قول الكلبي (٥).
قال ابن الأنباري: الذي استقبحه ابن قتيبة من قول الفراء عندي جيد غير قبيح؛ لأنه لما قال: ﴿لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ كان معناه: يأمن المرسلون عندي ويخاف غيرهم، فاكتفى بالشيء من ضده، كما قال: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ﴾ [النحل: ٨١] (٦). وذهب قوم إلى أن هذا من الاستثاء المنقطع؛ المعنى: لكن من ظلم من العباد ثم تاب {فَإِنِّي غَفُور
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٧. وذكره السمرقندي ٢/ ٤٩٠، عن الكلبي.
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ٢١٩.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٧ أ.
(٥) "تنوير المقباس" ٣١٦.
(٦) ذكر هذا الخطيب الإسكافي، درة التنزيل ٣٣٦، ولم ينسبه، وفيه: فحذف البرد لعلم المخاطبين به.